جمال شنيتر – اندبندنت الدولية
تبدو مدينة عدن أكثر سرعةً من المحافظات اليمنية في خطوات استعادة شيء من تفاصيل الحياة التي حوّلتها الحرب إلى ترف، لا مكان له في البلاد، إذ أطلق رواد فن القصة القصيرة المصورة الـ”كوميكس” مبادرة لاستعادتها، بعد سنوات من الركود والتراجع، باستعادة ماضي عدن، التي كانت أكشاكها ومكاتبها تزخر بمجلات القصص المصورة الأميركية والآسيوية.
البدايات الأولى
وفقاً للناشط ياسر عبدالباقي، رئيس مؤسسة “جدارية للأعلام”، تمتلك عدن تاريخاً طويلاً من العمل الثقافي من خلال القصص المصورة، خلال فترة الاستعمار البريطاني الذي استمر أكثر من قرن، ففي أربعينيات القرن الماضي شهدت المدينة إصدار عدد من المجلات المدرسية الحائطية والمطبوعة، كانت تحتوي على القصص السردية والشعر والرسم، مثل مجلتي “مدرستنا”، و”قلم الطالب”.
وفي 1979 كان الاهتمام واسعاً بالقصة المصورة، إذ صدرت مجلة “الحارس الصغير” كملحق لمجلة الحارس التي تصدرها وزارة الداخلية، وفي العام نفسه أخرجت وزارة التربية والتعليم العدد الأول من مجلة “البراعم”، وفي فبراير من عام 1983 أصدرت منظمة الطلائع اليمنية العدد “صفر” من مجلة “وضاح” الخاصة بالرسوم المصورة، التي استمرت في الصدور شهرياً حتى يناير 1986.
خطة إنعاش
يتأسف عبدالباقي من أن عدن وبقية محافظات اليمن لا تمتلك حالياً أي إصدارات خاصة بالرسوم، مستدركاً بأن عدداً من مثقفي وفناني القصة المصورة الـ”كوميكس” يسعون الآن لإحياء وإنعاش هذا الفن بطرق فنية مبتكرة، تضمن نشر معلومات ثقافية مهمة عن تراث وعادات وتقاليد مدينة عدن، من خلال تدريب الشباب على فن الرسوم المصورة، وكذلك إصدار مجلة مختصة بهذا النوع من الفنون يجري توزيعها على المؤسسات والمراكز الثقافية في مدينة عدن.
ويضيف، “باكورة هذه الصحوة لفن الـ(كوميكس)، نظمت مؤسسة (جدارية) فعالية ثقافية عن (فن القصة المصورة النشأة والتطور بين الأمس واليوم)، بمشاركة نخبة من الرسامين والفنانين ونشطاء المجتمع المدني والإعلاميين والمهتمين بهذا الجانب، وتضمنت مفاهيم ومعاني وأهدافاً مشوقة، تتيح لمختلف شرائح المجتمع فرصة التعرف على هذا الفن، وما يحمله من دلالات ومهارات الدمج بين الرسم والكتابة القصصية”.
ثقافة وتراث عدن
يشرح رئيس مؤسسة “جدارية”، التي تولي اهتماماً بهذا الفن، الهدف من مشروع “كوميكس عدن”، “نسعى إلى نشر ثقافة تراث وعادات وتقاليد عدن بطرق فنية ومبتكرة، عن طريق إشراك وتشجيع الفنانين والفنانات على إنتاج القصص المصورة ضمن السياق العدني”.
ويتابع، “يؤمن المشروع بأهمية أن تكون لدى عدن مجلة (كوميكس)، تمثل الواجهة الثقافية للبلد، ويتعرف من خلالها الناس على عادات وتقاليد المدينة وتراثها المتنوع، وينفذ هذا المشروع لأول مرة في عدن التي تفتقر إلى وجود مجلات من هذا النوع، وسيتمكن الـ12 فناناً وفنانة ممن شاركوا في المشروع من الاستفادة من المهارات التي حصلوا عليها أثناء التدريب لإنتاج قصص مصورة، كما ستعمل (جدارية) مع المتدربين في نقل تجاربهم إلى مبدعين آخرين، والعمل على تأهيل الشباب من كتاب القصة والرسم المحترفين، لإيجاد نمط جديد في القصة المصورة اليمنية، وخلق شخصية جديدة (كوميكس يمني)، وسيكون المخرج النهائي للورشة إصدار مجلة مصورة تحمل اسم (زنجو)، وهي حلوى عدنية بسيطة تصنع من السكر والماء على نار هادئة، وتأسيس موقع إلكتروني يوفر فرصة مفتوحة ومتاحة أمام جميع فناني الـ(كوميكس) لنشر أعمالهم الفنية، وهي خطوة تمهيدية، ليصبح الموقع ممولاً على المدى البعيد، وسيعمل بالمستقبل بمنهجية (النقد مقابل العمل) من خلال إعطاء مبالغ للفنانين مقابل نشر قصص الـ(كوميكس)، وستمثل هذه المجلة المصورة جزءاً من سلسلة قابلة للاستمرار والإنتاج المستقبلي، لتنتج أعداداً أخرى وعرضها على مانحين ثقافيين آخرين، يمكن تمويلها من الحكومة أو عن طريق مانحين محليين أو تجار”.
خطة تحفيز
ويسعى رسام القصة المصورة الاحترافية عدنان جمن، إلى الدفع بهذا الفن إلى المقدمة، بعد سنوات من التراجع، ويعمل من خلال ورش تدريبية على إنتاج قصص الـ”كوميكس” في عدن، وإيجاد نواة لهذا الفن، مع لفت النظر إلى أهميته بالنسبة إلى الطفل، لتنمية ملكاته الوجدانية، وتوصيل كثير من الرسائل التوعوية والمعلومات التي تتعلق بتنمية شخصيته، وإدخال بعض الترفيه والتسلية في بعض القصص، بل وتوصيل هذا الفن إلى فئات عمرية أخرى.
يعمل جمن على تحفيز الشباب على الخوض في فن القصص المصورة، ورسم الشخصيات التي ستبنى على المواقف المبتكرة من خيالاتهم، وكيفية كتابة سيناريوهات وحوارات من وحي خيالهم لمقاطع مصورة جاهزة، إضافة إلى الطرق العديدة، لتصميم خلفيات مشاهد القصص المصورة والتعريف بأساسات القصة الضرورية.
أدب الطفل
ويواصل، “عدن تعاني نقصاً حاداً في أدب الطفل عموماً، حيث اختفت مجلات وكتب الأطفال من المكتبات منذ اندلاع حرب 2015، علماً بأن المجلات القليلة التي كانت تصدرها الجهات الحكومية انتهت بشكل تام بداية التسعينيات من القرن الماضي”.
ويرى جمن أن “الحاجة باتت ملحة الآن، لاستعادة هذا الفن، خاصة للأطفال، فالطفل يجذب لهذا النوع من القصص المصورة في أي مكان بالعالم، والجميل أن لدينا حالياً كوكبة من الفنانين من عشاق هذا الفن، يطمحون لممارسته كمهنة، إذا توفرت وسائل دعم من الحكومة أو من القطاع الخاص”.
صعوبات ومعوقات
يلفت جمن إلى أهم الصعوبات التي تواجه انتشار الـ”كوميكس” في عدن واليمن عامة، ومنها عدم إيمان الجهات الرسمية بأهمية أدب الطفل، بالتالي عدم وجود الدعم المالي المطلوب للرسامين وتغطية تكلفة الطباعة، وهو فن مكلف عموماً.
ويختم، “استطاع فن الـ(كوميكس) في كل أنحاء العالم أن يقدم صورة واقعية لثقافة كثير من تلك الشعوب، ويستطيع هذا الفن الساحر أن يعطي كثيراً للتعريف بتراث مدينة عدن وتاريخها من خلال القصص المرسومة، وخلق علاقة جميلة بين الطفل وبيئته”.